أشياء كثيرة يستطيع الإنسان بواسطتها أن يطور شخصيته، ويجعلها أكثر
تأثيراً وفعالية، ولكنه لا يرى إلا القليل منها، في هذه المقالة نكشف بعض
الجوانب لقوة الشخصية، وربما يكون القضاء على الخوف أهمها.
سئلت سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه
وسلم فردت بكلمة رائعة جمعت فيها صفات شخصية النبي الكريم، قالت: (كان
خُلُقُهُ القرآن)! وسوف يكون هذا الحديث منطلقنا في هذه المقالة المهمة
لكل منا.
الخوف والحزنيؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية أن أهم شيء في قوة الشخصية هو عدم
الخوف، أو ما يعبّر عنه بالثقة بالنفس. ولكن كيف يمكن الحصول على شخصية لا
تخاف؟ يعتبر العلماء أن أفضل طريقة للقضاء على الخوف أن تواجه ما تخاف
منه. فلا يمكن لإنسان أن يكون قوياً ما لم يعالج ظاهرة الخوف عنده.
والمشكلة أن المواجهة تتطلب شيئاً من القوة، إذن العملية عكسية.
كذلك يؤكد العلماء على ضرورة أن يظهر الإنسان بمظهر الإنسان الواثق من
نفسه فلا يُظهر أية أحزان أو هموم أو ضعف. لأن الظهور بمظهر الإنسان
الحزين يعطي انطباعاً بالضعف لدى الآخرين. إذن هنالك تأكيد من قبل العلماء
على ضرورة عدم الخوف وعدم الحزن لتكسب الشخصية القوية.
هذا ما يقوله العلماء، ولكنني كمؤمن أعود دائماً إلى كتاب الله تعالى.
فكثيرة هي الآيات التي تتحدث عن الخوف ونجد تأكيداً من الله تعالى على أن
المؤمن لا يخاف أبداً إلا من خالقه عز وجل. يقول تعالى:
(أَلَا إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
*الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *لَهُمُ الْبُشْرَى فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ
اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62-64].
والسؤال: لماذا تحدث الله عن الخوف بصيغة الاسم (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)،
بينما تحدث عن الحزن بصيغة الفعل (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)؟ لنتأمل هذه
الأشياء:
- الخوف هو رد فعل لا شعوري وبالتالي ليس في تحكم الإنسان، فجميع الكائنات
الحية تخاف فلذلك جاء بصيغة المصدر (خوف). بينما الحزن هو تصرف شعوري
وإرادي، ويمكن لإنسان أن يحزن وآخر ألا يحزن عند نفس الظروف ولذلك جاء
بصيغة الفعل (يحزنون).
- الآثار والنتائج التي يسببها الخوف أكبر من تلك التي يسببها الحزن، ولذلك قدَّم الله ذكر الخوف على ذكر الحزن في الآية الكريمة.
- الخوف يأتي من مصدر خارجي، لذلك جاءت كلمة (عليهم) لتعبر عن المحيط
الخارجي الذي يحيط بالإنسان. بينما الحزن يأتي من مصدر داخل الإنسان ولذلك
سبق هذا الفعل بكلمة (هم).
- لا خوف ...... عليهم : الخوف أولاً ثم (عليهم). للدلالة على سرعة الشعور
بالخوف، وهو أجزاء من الثانية. أي أن الخوف هو عمل فجائي مباغت، وهذا ما
يقوله العلم.
- ولا هم....... يحزنون : (هم) ثم الحزن. للدلالة على أن الإنسان هو الذي
يقوم بالحزن وهذا يستغرق زمناً قد يمتد لساعات، أي أن الحزن لا يكون
فجائياً.
- الخوف يكون من المستقبل بينما الحزن يكون على شيء مضى أو يعيشه في نفس
اللحظة، والمستقبل مجهول بينما الماضي معلوم والإنسان يهتم بمعرفة
المستقبل أكثر من الماضي لذلك جاء ذكر الخوف أولاً ليطمئن المؤمن على
مستقبله، ثم جاء ذكر الحزن ليطمئن المؤمن على ماضيه وحاضره وبالتالي شمل
جميع الأزمنة!
ولذلك أينما ذكر الخوف والحزن في القرآن نجد الخوف يتقدم على الحزن لهذه
الأسباب. حتى إن (الخوف) في القرآن قد تكرر أكثر من (الحزن)، فسبحان الذي
أحصى كل شيء عدداً.
إن المؤمن الذي يعود نفسه على الخوف من الله تعالى، فلا يخاف أي شيء آخر.
وإذا أردت أن تقضي على أي خوف مهما كان كبيراً فما عليك إلا أن تستحضر
عظمة الله وتتذكر قوته وعظمته وتقارن ذلك بقوة الشخص الذي تخاف منه
وحدوده، لتجد أن كل الدنيا لا تساوي شيئاً أمام قوة الله تعالى. وهذه
العقيدة ستجعل الإنسان أكثر قدرة على المواجهة وبالتالي تجعله أكثر قدرة
على درء المخاوف.
يقول علماء البرمجة اللغوية العصبية أن هنالك طريقة مهمة لكسب شخصية قوية
من خلال التأمل والتفكير والاسترخاء. فيمكنك أن تجلس وتسترخي وتتذكر عواقب
الخوف الذي تعاني منه، وبالمقابل تتذكر فوائد قوة الشخصية وعدم الخوف،
وهذا سيجعل عقلك الباطن أكثر ميولاً لعدم الخوف، وبالتالي سوف تشعر بالقوة
من دون أن تبذل أي جهد فيما بعد
وهذا ما فعلته الآية الكريمة، فقد تحدثت عن ضرورة عدم الخوف، وأعطتنا
الطريق لذلك من خلال التقوى (يَتَّقُونَ)، وصورت لنا بعد ذلك نتائج ذلك
(لَهُمُ الْبُشْرَى). أي هنالك حلول عملية يقدمها القرآن للقضاء على
الخوف، فأنت عندما تكون تقياً فذلك يعني أن علاقتك بالله تعالى ممتازة،
ولذلك فسوف تحصل على القوة وتستمدها من القوي سبحانه.
الحب والسيطرةيتوهم كثير من الناس ويعتقدون أن السيطرة على الآخرين إنما تكون بالعنف
والقوة، وهذا النوع لا يحقق سوى السيطرة الظاهرية. ففي وجودك تجد الآخرين
يحترمونك أو يخافون منك، ولكن بمجرد أن تغيب يحتقرونك. وهذه سيطرة سلبية
لأنها لا تحقق أي نتيجة، بل نتائجها ضارة.
وهنالك سيطرة أكبر بكثير هي السيطرة على القلوب! ولا يمكن أن تحصل على هذا
النوع إلا بالمحبة، وأن تجعل الآخرين يطيعونك بمحض إرادتهم وبكل طواعية
وانقياد وهذا ما تمتع به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد ملك
القلوب والعقول، ولكن كيف ذلك؟
يقول علماء البرمجة اللغوية العصبية NLP من أهم صفات القائد الناجح أن
تهتم بمن حولك، وأن تتعلم كيف تصغي لهمومهم ومشاكلهم، وهذه تكسبك قوة
واحتراماً في قلوب هؤلاء. كذلك يجب عليك أن تتعلم كيف تتغلب على
الانفعالات، فالتسرع والتهور لا يعطيان نتيجة إيجابية.
ويقول العلماء إن أفضل طريقة للقضاء على التسرع أو الانفعال أن تكون
متسامحاً، ولذلك يقول تعالى:
(فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40]، ويقول أيضاً:
(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الشورى: 43]. أي أن الصبر والعفو والتسامح، هو من الأشياء التي تعطي قوة
في العزيمة وهذا ما ينعكس على قوة الشخصية.
كذلك هنالك صفة مهمة وضرورية لتكون شخصيتك قوية وهي أن تتعلم كيف تكسب ثقة
الآخرين، وهذا يمكن تحقيقه بسهولة بمجرد أن تكون صادقاً، يقول تعالى:
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
فالصدق يجعل الناس أكثر احتراماً لك، ولكن هنالك فرق بين أن تكون صادقاً
لأجل الناس، أو تكون صادقاً لأجل الله تعالى. ففي الحالة الأولى لا تكسب
أي أجر في الآخرة لأنك تكون قد أخذت ثواب عملك في الدنيا من احترام الناس
وتقديرهم لك وتعاملهم معك وثقتهم بك.
أما إذا كان صدقك من أجل الله، فإنك تكسب أجر الدنيا وأجر الآخرة، في
الدنيا تكسب الاحترام والثقة والمحبة، وفي الآخرة تكسب الأجر العظيم فتكون
مع الأنبياء والصدّيقين والصالحين.