عيون نشوى .. قصة واقعية بقلمي

عيون نشوى

بخطٍ أقرب إلى الخربشة .. كتبت أناملها الصغيرة على المقعد البائس ( أحبكِ آنسة نوار )
ارتسمت تلك العبارة في مخيلتي بحروفٍ من نور و أنا ألِجُ المدخل الكبير تصحبني عبارات الترحيب من الحارس لتتلقفني النظرات المستفهمة عن سبب وجودي في هذا المكان ..
رأيتُ الشفقة في عيونٍ ظنت أنني نزيلةٌ جديدة هنا .. و التمرد في العيون التي حسبتني إحدى المتبرعين فتحفّزَت لتلقّي الأمر بأداء فروض الاحترام و الشكر لي ..
مضيت إلى غرفة الإدارة تتبعني النظرات و الهمسات ، دون أن ألقي لها بالاً ، فقد كان جُلُّ تفكيري منصباً على صاحبة الحروف الذهبية .. على صغيرتي نشوى ..
نعم نشوى التي أخضعت قلبي لسلطان براءتها و سذاجة عاطفتها ..
لكم كان يروقها أن ترافقني أينما ذهبت ، و عندما يحين موعد حصتي ، تنقلب نشوى الحزينة الخائفة إلى فراشة تحلق طربةً و تنثر البهجة في كل مكان ..
و لكن أكثر ما كان يؤلم نشوى هو لحظة الوداع ..
كل يوم عندما يُقرع جرس الانصراف في المدرسة كانت تسبقني إلى الباب و تمسك بيدي و كل جوارحها تصرخ فيَّ ( لا تتركيني ) ..
و ما زال صراخها يعصف بكياني ، و هو ما دفعني اليوم لآتي و أرى نشوى بعد انقطاعٍ دام أكثر من عام لم تنقطع خلاله اتصالاتها و رجاءاتها و تذكيرها إياي بوعدي في أن أزورها في بيتهم الكبير الذي يضم 180 طفلة تجمعهن نفس المأساة ( خلوةٌ في غرفةٍ حمراء كان نتيجتها طفل على قارعة الطريق ، وجد طريقه أخيراً إلى هنا .. إلى دار كفالة الطفولة !!! ) ..
ازدحمت الخواطر في رأسي ، و عينا نشوى و حروفها الخجلى ترتسم في مخيلتي ، و صراخها يُصمّ أذنيّ ..
وصلتُ أخيراً غرفة الإدارة .. وقعت عيناي على سيدةٍ مسنةٍ وقورة ، تجلس خلف طاولةٍ أنيقة ..
استقبلتني بابتسامةٍ عذبةٍ و ترحيبٍ لم أتوقعه ..
و كنتُ بالكاد أعي ما تقول ، لم أرد شيئاً سوى أن أرى نشوى !!
و ما هي إلا لحظات حتى أطلّت نشوى من باب الغرفة !!! صعقتها المفاجأة و لم تصدق عينيها ...
خطوة .. اثنتين ... ثم حلّقت لتحطّ بين ذراعيّ و تمطر روحي بدموعها الحرى ..
شعرت بنبضات قلبها تتردد في قلبي ، و أنفاسها اللاهثة تبحث عن الأمان بين جوانحي ..
نعم لقد التقيتُ نشوى أخيراً ، و تدفق طوفان المشاعر يغمر ذاك اللقاء ..
بعد عدة لحظات أذنت لي بالانعتاق من قيد ذراعيها .. و أمسَكَت بيدي لننطلق في أرجاء ذاك البناء الفسيح ..
تعابير الوجوه مختلفة هنا ، و العيون تشع بإيحاءات متشابكة معقدة ، استطعتُ أن أتبيّن منها النقمة على الواقع بشكل عام ، و الخوف من المستقبل ، و الرغبة في الثورة على كل شيء ..
و لكن أكثر ما راعني هو تلك النظرات الباحثة عن الحنان و الأمان ، قرأت تلك الرغبة في عيونهن جميعاً ، و إن حاولت بعضهن إخفاءها ..
تجولتُ طويلاً و دخلتُ بعض الغرف ، و نشوى ملتصقةٌ بي تماماً ، و الهمهمات المستفهمة لم تبارحني ..
بعد لأيٍ استطعت أن أحظى بجلسةٍ صغيرةٍ ضمتني و خمس فتياتٍ خرجن من قوقعتهن و قبلن بي ضيفةً فضوليّةً على ما تكنه صدورهنّ و تضجّ به أرواحهن .. بينما اكتفت باقي الفتيات بمراقبتي عن بعد و عيونهن تفضح ما يعتمل في قلوبهنّ من لواعج ...
مضت الساعات دون أن اشعر ، كنتُ و كأنني في مملكةٍ من عالمٍ آخر ..
استطعتُ أن أفك اسر بعض المشاعر ، و بقيت الأخرى سجينة الخوفِ و الخجل ، و لكن صراخها المدوي كان يزلزل أركان روحي ..
و في غمرة انفعالي استرقتُ نظرةَ إلى نشوى ، لقد بدأ بريق عينيها ينطفئ ، و أصابعها الصغيرة تشد على يدي بقوة ، لكم تمنيتُ أن لا تأتي هذه اللحظة ..
نشوى عزيزتي .. يجب أن أذهب ، لقد تأخرتُ كثيراً ,,
و كأن الدماء قد تدفقت في يديها ، تشبّثت بي و فاضت دمعة على خدها ..
نشوى .. ثقي بي .. لن أتركك ، سأزورك كل أسبوع ..
قلت ذلك و قلبي يكاد أن يتفطّر ، ثم سحبت يدي برفق و لوّحت بها مودعة ، و أسرعت نحو الباب و دموعي تسبقني .. و عينا نشوى تشيعني بأسى ..
اندفعت في الممر الطويل المؤدي إلى الباب الأخير و قبل أن أغيب عن ناظريها نادتني فتوقفتُ دون أن ألتفت ..
صرخَت بي .. لتطعنني عبارتها الأخيرة ..
آنسة نوار ... سأنتظرك ..

ينحني قلمي خجلا أمام ماخطت أناملك نوار....وأمام تدفق مشاعرك تجاه هذه الصغيرة البريئة
ولا أملك سوى أن أقول كتبتي فأبدعتي!...حملتيني الى عالم تلك الطفلة ومثيلاتها...
ذلك العالم الذي يغيبه النسيان ..وربما الخجل ...
دمتي متألقة بكتاباتك ...ودعواتي الصادقة لنشوى

سلمــــــــــــت يداك اختي نوار
..........

وفعلا اليتم يدمي القلب والمشاعـــــــــــــــر
............

حفظك الله ..........

كلماتك ووصفك للحدث هزني والله
جزاك الله خيرا

وقصتك ذكرتني بقصة مشابهه حصلت معي ساكتبها قريبا

عيون نشوى .. قصة واقعية بقلمي 449572634769629119

قصة مؤثرة اخت نوار
وطرحك وعرضك للتفاصيل اروع
سلمت يداك

تحياتي لك أخي علي .. أخجلتم تواضعنا ..
سلمك الله ..
و شكراً جزيلاً لمرورك الكريم

تحياتي

عزيزتي نوار قرات قصتك وخطر ببالي ان اقول.... ماذنب هذه الطفلة وصديقاتها
لان تتالم وتحزن و...........لااعرف ماذا اقول لكن قصتك اوجعت قلبي على كل الاطفال اللذين يعانون ماتعاني نشوى والقلم يقف عاجزا عمايجول في الخواطر

تقبلي مروري اختك في الله...

غاليتي أم عامر

مجتمعنا مليء بصور الظلم تلك
و أبشع منها

و لكن على أبصارنا غشاوة !!

حسبي الله و نعم الوكيل

شكراً لمرورك العطر

» قصة واقعية
» قراءة القرآن ومايترك من أثر (قصة واقعية)
» عيون المها
» كيف ترســــم صورتك فى عيون الاخـــرين ??..