لا
شك أن مساوئ الأخلاق عموماً من أشد الأمور تنفيراً للناس عن الداعية ،إذا اتصف بشيء
منها،بيد أننا سنخص بعض المنفرات لما لها من الأثر الكبير في تنفير الناس وانفضاضهم
،ومن هذه المنفرات:
أولا عدم مراعاة أحوال الناس وظروفهم..
وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم
إلى الأمر فقال لمعشر الدعاة ((
إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم
الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء )) فهي وصية من داعية هذه الأمة عليه أفضل
الصلاة والسلام لجميع الدعاة بضرورة مراعاة أحوال الناس في ركن من أهم أركان هذا
الدين ؛لذا فمراعاة الناس فيما دون ذلك مرتبة من العبادات والمعاملات من باب أولى
.
وإليك هذه الحادثة التي تدل على أن إغفال هذه الوصية يؤدي إلى نفرة الناس
وربما يسبب تركهم للعمل الصالح أو تأخرهم عنه .
كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله
عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى
قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له
أنافقت يا فلان ؟ قال لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه فلأخبرنه فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وأن
معاذاً صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم على معاذ فقال : ((
أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا ( وفي
رواية : أفتان أنت ثلاثا ؟! اقرأ الشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوهما ))
ثانياً التعلق بمتاع الدنيا وزخرفها :
وهذا المنفر أصله حديث الرسول صلى الله
عليه وسلم ((
ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند
الناس يحبك الناس )) فالرسول صلى الله عليه وسلم
يعلمنا كيف نكسب الناس وننال محبتهم وذلك بالزهد فيما في أيديهم لأننا إذا تركنا
لهم ما أحبوه أحبونا وقلوب أكثرهم مجبولة مطبوعة على حب الدنيا ومن نازع إنسانا في
محبوبه كرهه وقلاه ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه قال الحسن البصري لا يزال الرجل
كريما على الناس ما لم يطمع فيما بين أيديهم فحينئذ يستخفون به ويكرهون حديثه
ويبغضونه .
وقال أعرابي لأهل البصرة من سيدكم ؟ قالوا الحسن قال بم سادكم ؟
قالوا احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم ، فقال: ما أحسن هذا.
ثالثاً الغلظة
والفظاظة :
وهذا المنفر أصله قول الحق عز
وجل لسيد الدعاة عليه أفضل الصلاة والسلام (
فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً
غليظ القلب لانفضوا من حولك ) آل عمران الآية
159.
وما من شيء أشد تنفيراً للناس عن الحق والخير مثل دعوتهم إليه بالغلظة
والخشونة .
ولقد انحسر أثر بعض الدعاة المخلصين في الناس ولم يوفقوا إلى إيصال
ما لديهم من حق إلى عموم المسلمين وغيرهم لأنهم أخطأوا الأسلوب الذي يفتحون به قلوب
الناس وعقولهم فغلب عليهم الجدل بالتي هي أخشن والمواجهة بالغلظة والحدة .
رابعاً : مخالفة
القول العمل :
ما أشد بغض الناس لداعية خالفت
أفعاله أقواله وما أعظم نفرتهم ؛ بل ما أكبر مقت الله عز وجل لهذه الصفة الخسيسة ،
حيث يقول عز وجل: (
يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
الصف الآيتان : 2 ،3
ولقد أنكر الله سبحانه على أقوام يأمرون الناس بالبر ويدعون
أنفسهم في غيها (
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم
تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) البقرة الآية :
44
ولذلك قال شعيب لقومه ما أخبرنا الله به حيث يقول الله تعالى على لسانه : (
و ما أريد أن
أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد الاّ الإصلاح ما استطعت ) هود الآية 88 .
ولكن لابد من الإجابة على
شبهة يرددها بعض الناس نعرضها على شكل سؤال.. وهو
هل يترك الداعية الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر في حالة عدم تمكنه من فعله ؟ قال ابن
كثير رحمه الله : فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على
أصح قول العلماء من السلف والخلف . وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره
عنها ، وهذا ضعيف . والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله ، وينهى عن
المنكر وإن ارتكبه ، قال سعيد بن جبير : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن
المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر . قلت القائل –ابن
كثير - : لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته
على بصيرة فانه ليس من يعلم كمن لا يعلم " .
خامساً : التعسير والتعقيد :
هناك فريق من الناس يبحثون عن كل صعب
ومعسر ليقدموه للناس على أنه الإسلام ، دون مراعاة ليسر الإسلام ورفعه للحرج عن
الناس . وهذا خلاف لما كان عليه أفضل الصلاة والسلام حيث قالت عنه عائشة رضي الله
عنها :"
ما
خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ؛ فإن كان إثماً كان أبعد
الناس منه"
ولما للتيسير – في حدود الشرع –
من أثر في تأليف القلوب وزيادة ربطها بهذا الدين نادى الرسول صلى الله عليه وسلم
بالدعاة قائلا : "
يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ".
قال النووي : لو اقتصر على يسروا لصدق
على من يسر مرة وعسر كثيراً فقال :"ولا تعسروا " لنفي التعسير في جميع الأحوال ،
وكذلك في قوله :" ولا تنفروا " والمراد تأليف من قرب إسلامه ، وترك التشديد عليه في
الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطيف ليقبل ، وكذلك تعليم العلم
ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشي إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه ،
وتلقاه بانبساط ، وكانت عاقبته غالباً الازدياد بخلاف ضده.
الخاتمة
وبعد :فإن كسب قلوب الناس مهمة ليست
باليسيرة إلا لمن يسرها الله له ؛