صبره على الأذى ... و هجرته
في أوائل 1960م كان الشيخ يقع تحت مرصد الحكومة
السوريه، مع العلم أنه كان بعيداً عن السياسة، و قد سبب ذلك نوعاً من
الإعاقة له. فقد تعرض للإعتقال مرتين، الأولى كانت قبل 67 حيث اعتقل لمدة
شهر في قلعة دمشق وهي نفس القلعة التي اعتقل فيها شيخ الاسلام (ابن
تيمية)، وعندما قامت حرب 67 رأت الحكومة أن تفرج عن جميع المعتقلين
السياسيين.
لكن بعدما اشتدت الحرب عاد الشيخ إلى المعتقل مرة
ثانية، و لكن هذه المرة ليس في سجن القلعة، بل في سجن الحسكة شمال شرق
دمشق، و قد قضى فيه الشيخ ثمانية أشهر، و خلال هذه الفترة حقق مختصر صحيح
مسلم للحافظ المنذري و اجتمع مع شخصيات كبيرة في المعتقل.
أعماله وانجازاته
لقد كان للشيخ جهود علمية و خدمات عديدة منها:
1) كان شيخنا -رحمه الله- يحضر ندوات العلامة الشيخ
محمد بهجت البيطار -رحمه الله- مع بعض أساتذة المجمع العلمي بدمشق، منهم
عز الدين التنوحي - رحمه الله- إذ كانوا يقرؤن "الحماسة" لأبي تمام.
2) اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج
أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على
إصدارها عام 1955 م.
3) اختير عضواً في لجنة الحديث، التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر و سوريا، للإشراف على نشر كتب السنة و تحقيقها.
4) طلبت إليه الجامعة السلفية في بنارس "الهند" أن
يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر عن ذلك لصعوبة اصطحاب الأهل و الأولاد بسبب
الحرب بين الهند و باكستان آنذاك.
5) طلب إليه معالي وزير المعارف في المملكة العربية
السعودية الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ عام 1388 ه ، أن يتولى الإشراف
على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، وقد حالت الظروف دون
تحقيق ذلك.
6) اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام 1395 ه إلى 1398 ه.
7) لبى دعوة من اتحاد الطلبة المسلمين في أسبانيا، و
ألقى محاضرة مهمة طبعت فيما بعد بعنوان "الحديث حجة بنفسه في العقائد و
الأحكام" .
8) زار قطر و ألقى فيها محاضرة بعنوان "منزلة السنة في الإسلام".
9) انتدب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
رئيس إدارة البحوث العلمية و الإفتاء للدعوة في مصر و المغرب و بريطانيا
للدعوة إلى التوحيد و الاعتصام بالكتاب و السنة و المنهج الإسلامي الحق.
10) دعي إلى عدة مؤتمرات، حضر بعضها و اعتذر عن كثير بسبب أنشغالاته العلمية الكثيرة.
11) زار الكويت و الإمارات و ألقى فيهما محاضرات
عديدة، وزار أيضا عدداً من دول أوروبا، و التقى فيها بالجاليات الإسلامية
و الطلبة المسلمين، و ألقى دروساً علمية مفيدة.
12) للشيخ مؤلفات عظيمة و تحقيقات قيمة، ربت على
المئة، و ترجم كثير منها إلى لغات مختلفة، و طبع أكثرها طبعات متعددة و من
أبرزها، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، وسلسلة الأحاديث
الصحيحة و شيء من فقهها و فوائدها، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و
أثرها السيئ في الأمة، وصفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك
تراها.
13) و لقد كانت قررت لجنة الإختيار لجائزة الملك فيصل
العالمية للدراسات الإسلامية من منح الجائزة عام 1419ه / 1999م ، و
موضوعها "الجهود العلمية التي عنيت بالحديث النبوي تحقيقاً و تخريجاً و
دراسة" لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية، تقديراً
لجهوده القيمة في خدمة الحديث النبوي تخريجاً و تحقيقاً ودراسة و ذلك في
كتبه التي تربو على المئة.
ثناء العلماء عليه
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
(ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني)
وسئل سماحته عن حديث رسول الله - صلى الله عليه و
سلم-: "ان الله يبعث لهذه الأمه على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"
فسئل من مجدد هذا القرن، فقال -رحمه الله-: الشيخ محمد ناصر الدين
الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم.
وقال الفقيه العلامة الإمام محمد صالح العثيمين:
فالذي عرفته عن الشيخ من خلال اجتماعي به وهو قليل،
أنه حريص جداً على العمل بالسنة، و محاربة البدعة، سواء كان في العقيدة أم
في العمل، أما من خلال قراءتي لمؤلفاته فقد عرفت عنه ذلك، و أنه ذو علم جم
في الحديث، رواية و دراية، و أن الله تعالى قد نفع فيما كتبه كثيراً من
الناس، من حيث العلم و من حيث المنهاج و الاتجاه إلى علم الحديث، و هذه
ثمرة كبيرة للمسلمين و لله الحمد، أما من حيث التحقيقات العلمية الحديثية
فناهيك به.
العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي
قول الشيخ عبد العزيز الهده : "ان العلامه الشنقيطي
يجل الشيخ الألباني إجلالاً غريباً، حتى إذا رآه ماراً وهو في درسه في
الحرم المدني يقطع درسه قائماً ومسلماً عليه إجلالاً له".
وقال الشيخ مقبل الوادعي:
والذي أعتقده وأدين الله به أن الشيخ محمد ناصر الدين
الألباني حفظه الله من المجددين الذين يصدق عليهم قول الرسول (صلى الله
عليه وسلم) [إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها]
آخر وصية للعلامة المحدث
أوصي زوجتي و أولادي و أصدقائي وكل محب لي إذا بلغه
وفاتي أن يدعو لي بالمغفرة و الرحمة -أولاً- وألا يبكون علي نياحة أو بصوت
مرتفع.
وثانياً: أن يعجلوا بدفني، و لا يخبروا من أقاربي و
إخواني إلا بقدر ما يحصل بهم واجب تجهيزي، وأن يتولى غسلي (عزت خضر أبو
عبد الله) جاري و صديقي المخلص، ومن يختاره -هو- لإعانته على ذلك.
وثالثاً: أختار الدفن في أقرب مكان، لكي لا يضطر من
يحمل جنازتي إلى وضعها في السيارة، و بالتالي يركب المشيعون سياراتهم، وأن
يكون القبر في مقبره قديمة يغلب على الظن أنها سوف لا تنبش...
و على من كان في البلد الذي أموت فيه ألا يخبروا من
كان خارجها من أولادي - فضلاً عن غيرهم- إلا بعد تشييعي، حتى لا تتغلب
العواطف، و تعمل عملها، فيكون ذلك سبباً لتأخير جنازتي.
سائلاً المولى أن ألقاه و قد غفر لي ذنوبي ما قدمت و ما أخرت..
وأوصي بمكتبتي -كلها- سواء ما كان منها مطبوعاً، أو
تصويراً، أو مخطوطاً -بخطي أو بخط غيري- لمكتبة الجامعة الإسلامية في
المدينة المنورة، لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب و السنة، و
على منهج السلف الصالح -يوم كنت مدرساً فيها-.
راجياً من الله تعالى أن ينفع بها روادها، كما نفع بصاحبها -يومئذ- طلابها، وأن ينفعني بهم و بإخلاصهم و دعواتهم.
(رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي
و أن أعمل صالحاً ترضاه و أصلح لي في ذريتي إني تبت إليك و إني من
المسلمين).
27 جمادى الأول 1410 هـ
وفاته
توفي العلامة الألباني قبيل يوم السبت في الثاني و
العشرين من جمادى الآخرة 1420ه، الموافق الثاني من أكتوبر 1999م، و دفن
بعد صلاة العشاء.
و قد عجل بدفن الشيخ لأمرين أثنين:
الأول: تنفيذ وصيته كما أمر.
الثاني: الأيام التي مر بها موت الشيخ رحمه الله و
التي تلت هذه الأيام كانت شديدة الحرارة، فخشي أنه لو تأخر بدفنه أن يقع
بعض الأضرار أو المفاسد على الناس الذين يأتون لتشييع جنازته رحمه الله
فلذلك أوثر أن يكون دفنه سريعاً.
بالرغم من عدم إعلام أحد عن وفاة الشيخ إلا المقربين
منهم حتى يعينوا على تجهيزه ودفنه، بالإضافه إلى قصر الفترة ما بين وفاة
الشيخ ودفنه، إلا أن الآف المصلين قد حضروا صلاة جنازته حيث تداعى الناس
بأن يعلم كل منهم أخاه.