somaiah صاحبة الموقع
عدد الرسائل : 2605 تاريخ التسجيل : 01/02/2009
| موضوع: محمد بن القاسم ... فاتح بلاد السند !! السبت فبراير 13, 2010 4:12 pm | |
| محمد بن القاسم ... فاتح بلاد السند !! بقايا مسجد محمد بن القاسم ب(الرور) بباكستان !! إن فى تاريخ هذه الأمة من القدوات فى شتى المجالات ما ليس فى أمة من أمم الأرض منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها !! ومن ضمن هذه المجالات ... الجهاد فى سبيل الله وبذل الروح والنفس لإعلاء كلمة الله .. فظهر فى هذه الأمة من القادة والفاتحين مالا يوجد فى أمة من الأمم من لدن آدم الى قيام الساعة !!! لو استطعنا حصر اسماء القادة والفاتحين فى تاريخ الإسلام , ماستطعنا الى ذلك سبيلا !! .. وكانت أعظم عصور الجهاد فى تاريخ المسلمين هى العصور المتقدمة لا سيما فى صدر الدولة الأموية !!وظهر فى عهد الدولة الأموية قادة وفاتحين وعظماء ومن ضمن اولئك القادة مسلمة بن عبد الملك وقتيبة بن مسلم وموسى بن نصير وطارق بن زياد وغيرهم الكثير !! وكان من أعظم اولئك القادة هو صاحبنا البطل القائد الفاتح الغلام الشاب محمد بن القاسم رحمه الله !! .. الذى طرق بخيلة أبواب الهند وقضى على ملوكها ودخل فى عهده الآلاف من الهنود فى الإسلام !! فمن كان محمد بن القاسم وما قصته !! .. هذا ما سنعرفه الآن , ومصادرى فى ذلك هى : مصادر الدراسة : · البداية والنهاية لابن كثير – طبعة المكتبة التوفيقية بمصر تحقيق عماد زكى البارودى وخيرى سعيد · الكامل فى التاريخ لابن الأثير – طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1987 تحقيق أبى الفداء عبد الله القاضى · الدولة الأموية : عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار للدكتور على الصلابى – طبعة دار المعرفة بيروت 2005 · قادة فتح السند وأفغانستان للواء الركن محمود شيت خطاب – طبعة دار الأندلس الخضراء بجدة 1998 · الإعلام بمن فى تاريخ الهند من الأعلام لعبد الحى الحسنى "رحمه الله " – طبعة دار ابن حزم 1999 · بلاد الهند فى العصر الإسلامى منذ فجر الإسلام حتى الغزو التيمورى لعصام الدين عبد الرؤوف الفقى طبعة دار عالم الكتب 1980 نبدأ باسم الله وبه الثقة وعليه التكلان : ظلّ فتح الهند حلم يراود المسلمين من العصور الأولى وفى زمن الخلفاء الراشدين وبدأ التوجه لبلاد السند (باكستان حاليا) منذ زمان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. وكان انتصار المسلمين فى معركة القادسية فى عهد عمر بن الخطاب إيذانا لهم بفتح السند , فقد استنجد كسرى الفرس ببعض ملوك البلاد المجاورة ومنها مملكة السند, حيث أمده ملك السند بالمال والرجال, الأمر الذى اضطر المسلمين بمهاجمة السند ردا على تدخلهم ضدهم فى معركة القادسية, ولذلك فإن البلاذرى يحدثنا عن حملات إسلامية مبكرة على السند كان أولها فى عهد عمر بن الخطاب, وكان ثانيها فى عهد على بن أبى طالب, كما نفهم من رواية البلاذرى أن عثمان بن عفان كان ايضا مهتما بتقصى تحركات السند(1) , ولكن كانت أكبر الحملات التى وُجهت الى الهند وأعظمهما على الإطلاق هى تلك الحملات التى قادها القائد الفذ محمد بن القاسم فى زمان الدولة الأموية !!
وقبل البدأ فى سرد أحداث حملات محمد بن القاسم وبسط سيرته العطرة , كان من الواجب ان نذكر حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن عساكر فى (تاريخه) (52/248) عن ثوبان مرفوعا " عصابتان من أمتى أجارهما الله من النار , عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم " – صححه الألبانى(2) فنرجو بذلك الحديث ان يكون محمد بن القاسم وجيشه داخلاً فى هذا الحديث , ونسأل الله لهم الفردوس الأعلى وأن يلحقنا بهم على أحسن حال .... ولادته ونشاته : هو محمد بن القاسم بن محمد بن الحَكَم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن مُعَتِّب الثقفى(3), وُلد محمد بن القاسم الثقفى عام 72هـ (4), وكان أبوه القاسم بن محمد واليا على البصرة للحجاج بن يوسف , فنشأ محمد منذ نعومة أظفاره بين الأمراء والقادة : أبوه أمير , وابن عم أبيه الحجّاج أمير العراقيين(5), وظهرت علامات النبوغ والقيادة على محمد بن القاسم منذ صغره وهو مازال فتى صغيرا وكان محط أنظار ابن عمّ أبيه الحجّاج بن يوسف الثقفى - وكان بمثابة عمّه - كما سيأتى بيانه ان شاء الله ... مازالت سيرة محمد بن القاسم تُطبع وتباع فى باكستان والهند !!! بدأ فتوح الهند :كانت بلاد السند هى بوابة مملكة الهند ومفتاح شبه القارة الهندية , وكانت وقتها الدولة الإسلامية فى ريعان شبابها وكانت تمتلك أعتى الجيوش وكانت الفتوحات الإسلامية تتوسع شرقا وغربا وشمالا وجنوبا , وكان خليفة المسلمين وقتها هو الوليد بن عبد الملك – رحمه الله , وكان والى العراق والمشرق هو الحجّاج بن يوسف الثقفى .. وكانت الدولة الإسلامية حينئذ هى أقوى الدول فى العالم ويخطب ودّها كافة الممالك المجاورة كالدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية وكممالك الهند والسند وكان أعظم ملوكها وأقواهم بأساّ هو الملك (داهر) بن صصَّة والملك (دوهر) وكانت هناك ممالك الصين !!وكانت الدولة الأموية هى أكثر الدول الإسلامية جهادها وأعظمها غزواً وأجلّها فتوحاً , وفى هذا المقام نذكر ما قاله ابن كثير عن تلك الدولة الأموية المجيدة(6) : " فكانت سوق الجهاد قائمة فى بنى أمية ليس لهم شغل إلا ذلك, قد علت كلمة الإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها, وقد أذلوا الكفر وأهله , وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبا, لا يتوجه المسلمون الى قطر من الأقطار إلا أخذوه , وكان فى عساكرهم وجيوشهم فى الغزو الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين, فى كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه, فقتيبة بن مسلم يفتح فى بلاد الترك, يقتل ويسبى ويغنم, حتى وصل الى تخوم الصين...., ومسلمة بن عبد الملك بن مروان وابن أمير المؤمنين الوليد وأخوه الآخر يفتحون فى بلاد الروم ويجاهدون بعساكر الشام حتى وصلوا الى القسطنطينية, وبنى بها مسلمة جامعا يُعبد الله فيه , وامتلأت قلوب الفرنج منهم رعبا , ومحمد بن القاسم ابن أخى الحجاج يجاهد فى بلاد الهند ويفتح مدنها فى طائفة من جيش العراق وغيرهم , وموسى بن نصير يجاهد فى بلاد المغرب ويفتح مدنها فى طائفة وأقاليمها فى جيوش الديار المصرية وغيرهم. وكل هذه النواحى إنما دخل أهلها فى الإسلام وتركوا عبادة الأوثان " أ.هـ , ولم تتوجه الجيوش الإسلامية الى السند بشكل مباشر حتى كانت الحادثة التى غيرت مجرى التاريخ بعد ذلك ودخل الإسلام على إثرها بلاد السند وبدأ التوغل الى الهند .. وهى الحادثة التى حدثت فى عهد الحجاج بن يوسف !! المسلمون فى عهد الدولة الأموية ... واااااااااااهٍ يا أيام العزة !!يذكر البلاذرى – فى فتوح البلدان – ان البوارج الهندية قد استولت على سفينة كانت تحمل نساء مسلمات أرسلهنّ ملك جزيرة الياقوت(7) هدية الى الحجّاج بن يوسف , فنادت امرأة من تلك النسوة وكانت من يَرْبوع : يا حجّاج! وبلغ الحجّاج ذلك فقال : يا لبيك , فأرسل الى داهر يسأله تخلية النسوة , فقال : أخذهن لصوص لا أقدر عليه(8).. فأنف الحجاج وأخذته حمية وغيرة وأرسل الجيوش لفتح الهند ... واااااااااااااااااااهٍ يا أيام العزة !! كانت استغاثات النساء فى زمان العزة تكفى لأن تتحرك من أجلهنّ الجيش العرمرم , كانت استغاثة المرأة هى التى حركت جيوش المسلمين للهند , وكانت استغاثة المرأة الهاشمية فى زمان المعتصم – غفر الله له – هى التى حركّت 920.000 جندى – كما فى رواية ابن خلدون – لفتح عمّورية أقدس بقاع النصارى , وكانت صرخة ثلاث نسوة مأسورات بالكنيسة هى التى حركت المنصور بن أبى عامر بالأندلس الى جنوب فرنسا وأقسم أنه لن يرجع من أرض النصارى حتى يكتسح الكنيسة !! رب وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتملامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصمهنالك تبدّى للحجاج مدى الإهانة التى تلحق بهيبة المسلمين وخطورتها إن هو سكت على هذا الأمر(9), وبدأ الحجاج بن يوسف يجهّز جيوش المسلمين التى ستغزو بلاد الهند , وجهّز الحجاج ستة آلاف مجاهد بكامل عدتهم وعتادهم وجهّزهم بكل ما يحتاجون اليه , حتى الخيوط الإبر والمال(10), وبلغ أما أنفقه الحجاج بن يوسف على تلك الحملة ستون ألف ألف درهم(11) !! , وهنا بدأ الحجّاج ينظر فيمن يوليّه على هذا الجيش الذاهب الى منطقة خطيرة ووعرة !! أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستانفوقع عينه على ابن اخيه القائد الشاب محمد بن القاسم .. ولا نتعجب من إختيار الحجاج بن يوسف لمحمد بن القاسم لقيادة الجيوش .. ولكن نتعجب لمّا نعلم أن عُمْر محمد بن القاسم وقتها كان 17 سنة فقط !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!سبعة عشر عاما .. أى كان شاب فى عمر الزهور .. فى عمر شاب فى الثانوية العامة الآن !! , وفيه يقول حمزة الحنفى(12)إن المروءة والسماحة والندى *** لمحمد بن القاسم بن محمدِساسَ الجيوش لسبعَ عشرَ حجةً *** يا قُرْبَ ذلك سؤدداً من مولدِيالله .. أى فتى كان محمد بن القاسم !! سبعة عشر عاما ويقود جيوش المسلمين لفتح أكبر الممالك فى ذلك الوقت ويُقاتل أكبر ملوك الهند فى ذلك الوقت !! فهلمّ بنا نرصد تحركات محمد بن القاسم وفتوحه وبلائه فى جبهة الهند : أمر الحجاج بن يوسف الأمير الشاب محمد بن القاسم ان يُقيم بشيراز حتى يكمل حشد رجاله ويوافيه ما أعدّ له(13) ثم مضى محمد بن القاسم الى مُكران(14) فأقام بها أياما ثم مضى نحو مدينة (فنزبور) (15), ففتحها وهزم جيوش الملك داهر ,ثم أتى مدينة (أرمائيل) وهى من المدن الكبرى بين مكران وبين أعظم مدن السند (الديْبل) فاستطاع ان يفتحها وضمّها الى باقى البلاد التى فتحها منذ أن وطأت خيله أرض السند .. !!بقايا قلعة داهر بإقليم السند !! ثم واصل محمد بن القاسم فتوحه ومسيره حتى وصل الى مدينة الديْبل أعظم وأهم مدن السند وأهمها , فقدمها يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة , فخندق حين نزل الديْبل وأنزل الناس منازلهم ونصب منجنيقا يُقال له العروس كان يمد به خمسمائة رجل(16), وهنا تتجلى عبقرية محمد بن القاسم العسكرية ودهاءه العجيب .. لما حاصر محمد بن القاسم تلك المدينة (الديْبل) (17) طال حصاره , وكان بها معبد كبير للهنادكة ومنصوب على هذا المعبد سارية عظيمة مربوط بها راية حمراء وكان الهنود يعظمون هذا المعبد وتلك الراية , فأمر محمد بن القاسم جنوده المدربين أن يقذفوا هذه الراية ويسقوطها بالمنجنيق .. فرمى المعبد بحجر المنجنيق (العروس) فكسره فتشائم الكفار لذلك وانحطت معنوياتهم بذلك , وظل محمدا محاصرا الديْبل حتى خرج اليه الهنود وحماة البلد ولكنه هزمهم حتى ردهم الى البلد, ثم أمر بالسلالم فنصبت وصعد عليها الرجال, وكان أول صعودا رجلا من بنى مراد من أهل الكوفة , ففتحت المدينة عنوة فاستباحها محمد ثلاثة أيام , ولكنّ عامل "داهر" ملك السند عليها هرب عنها سالماً(18), واستولى المسلمون على الديْبل وأقام بها محمد بن القاسم مسجداً , وترك بها حامية تتكون من أربعة آلاف جندى , وأصبحت الديْبل أول مدينة عربية فى الهند(19) ... وكان هذا المسجد الذى بناه محمد بن القاسم هو أول مسجد بُنى فى هذا المنطقة(20)!!أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستانونزل الخبر على "داهر" كالصاعقة , على أن "داهر" لم يستسلم للهزيمة, بل عول على مقاومة الزحف الإسلامى , فاتجه الى الداخل , وأعد العدة لاستئناف القتال فى موضع يقع شرق مصب نهر السند ظنا منه أن النهر يعرقل عبور المسلمين له(21) .... مقتل الملك "داهر" ملك السند .... ثم أتى محمدٌ (البيرون) (22) فصالحه أهلها , وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا وفتحها وهزم جيوشها , ثم سار الى نهر (مِهران) فزل فى وسطه, وبلغ خبره "داهر", فاستعد لمجابهته(23), وعبر محمد بن القاسم النهر مما يلى بلاد الملك "راسل" ملك مدينة (القَصّة =كَجْ) وهى من بلاد الهند , وهناك لقى محمد بن القاسم قوات الملك "داهر" أعظم ملوكهم وكان يمتطى فيله وحوله الفيلة والخيول والجيوش العظيمة , وبدأت معركة عنيفة وشرسة واقتتلوا قتالا شديدا لم يُسمع بمثله(24) واستخدم الهنود الفيلة والنبال والنفط واستمر القتال حتى المساء وترجل "داهر" وظل يُقاتل حتى قُتل ولله الحمد والمنة , وانهزم أصحابه وقتلهم المسلمون كيف شاءوا(25), وكان الذى قتله – أى "داهر" – القاسم بن ثعلبة بن عبد الله الطائى(26), فقال– رحمه الله – فى هذه المناسبة يفتخر بقتله للملك "داهر"(27): الخيلُ تشهد يوم داهَرَ والقَنا *** ومحمدُ بن القاسم بن محمدِأنّى فَرَجْتُ الجمع غير مُعرِّدِ *** حتى علوتُ عظيمهم بمُهنَّدِفتركتُه تحت العَجاج مُجندلاً *** متعفّر الخدّين غير موسّدِ وكان هذا الإنتصار من أعظم إنتصارات محمد بن القاسم , وتخلص بذلك من أكبر ملوك السند وهو "داهر" , ثم واصل محمد بن القاسم فتوحاته , فلا يمرّ على بلد إلا فتحها وأذل ملوكها , وأذعنت له الممالك وذلت له جنود الهند ولم تكن هناك قوة أمامه إلا قوة الملك "دوهر" ملك "الكيرج" .. فأتى المدينة العتيقة (برهمناباد) وكان فيها فلول جيش "داهر" , فقاتلوه , ففتحها محمد عنوة , وقتل بها ثمانية آلاف , وقيل : ستة وعشرين ألفا , وخلّف فيها عامله(28).. الله أكبر والعزة لله ... نموذج لمنجنيق استخدمه المسلمون فى فتوح السند أيام محمد بن القاسم !!ثم واصل محمد تقدمه حتى وصل الى مدينة (المُلْتَان) أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه ,فامتنعت عليه شهورا وقاتله أهلها, فانهمزموا(29), وكان بتلك المدينة معبدا من أكبر معابك الهنود فى هذا المنطقة , وكانت تُهدى اليه الأموال وتُنذر له النذور وويحجون اليه وكان به صنم كبير يزعم الهنود أنه أيوب – عليه الصلاة والسلام – وكان الهنود يطوفون به ويلحقون روؤسهم ولحاهم عنده , وكان فى هذا المعبد قناطير مقطنرة من الذهب والفضة , ثم جاء رجل من أهل المدينة مستأمن فدلّ محمد بن القاسم على مكان الماء الذى يشرب منه أهل "الملتان" فقطع الماء عنهم , فاشتد عليهم الأمر حتى نلزوا على حكمه , فقتل محمد المقاتلة وسبى الذرية , ثم سبى سدنة المعبد وهم ستة آلاف , وأصاب محمد مالاً كثيرا جمعه فى بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية أذرع يُلقى اليه من كوة فى وسطه , فسميت (الملتان): فرج – ثغر – بيت الذهب(30).... كان إستيلاء العرب على الملتان أهمية كبيرة, نظرا لأهميتها الكبيرة عند الهنود من الناحية الدينية, إذ يوجد به المعابد الكبيرة يحج إليها الهنود من كل حدب وصوب, ويهدون الأموال الى الصنم المقام هناك, وينذرون له النذور, ويطوفون به ويحلقون روؤسهم ولحاهم عنده, وبسقوط الملتان فى ايدى العرب اصبح وادى السند بأكمله فى حوزتهم(31)... !! ولقد أنجز محمد بن القاسم هذا الفتح فى المدة بين سنة 89هـ الى سنة 94هـ , وازداد إعجاب الحجاج بن يوسف بابن أخيه محمد بن القاسم وازدادت مكانة محمد بن القاسم فى نفوس المسلمين .. وعظمت فتوحات محمد بن القاسم وكثرت الغنائم جدا , حتى أن الحجاج بن يوسف نظر فى النفقة على ذلك الثغر – السند – فكانت ستين ألف ألف درهم !! , ونظر فى الذى حُمل فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف فقال : شفينا غيظنا , وأدركنا ثأرنا , ازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس (داهر) (32).. الله أكبر والعزة لله !!أول مسجد فى شبه القارة الهندية بناه محمد بن القاسم بمدينة الديْبل (كراتشى) حاليا بباكستانوفى عام 95هـ هلك الحجاج بن يوسف الثقفى والى العراق وخراسان وسجستان , وكان محمد بن القاسم وقتها فى الملتان , فعاد الى (الرور) , ثم وجه جيشا الى مدينة (البيْلمان) ففتحوها صلحا , وواصل محمد بن القاسم فتوحاته وولّى وجهه شطر مملكة (الكيرج)(33) وهى من اكبر مدن السند وكان ملكها "دوهر" من أقوى الملوك بعد "داهر" وله جيش قوى , فأتى محمد بن القاسم "الكيرج" ونازل أهلها وقاتل "دَوْهَر" وحدثت معركة عنيفة قُتل فيها "دوهر" وانتصر المسلمون فى هذه المعركة إنتصارا ساحقاً , وبذلك استطاع محمد بن القاسم ان يقضى على أكبر ملكين فى إقليم السند , وفى هذا يقول الشاعر(34):نحن قتلنا داهرا ودوهراَ *** والخيل تردى مِنْسَراً فمَنْسَراوظلّ محمد بن القاسم يتقدم من نصرٍ الى نصر , وكان يستعد لفتح مملكة (قَنوج) أعظم إمارات الهند , وكانت تمتد من السند الى (البنغال), وكان قد أوفد بعثة من رجاله الى ملكها تدعوه الى الإسلام او الجزية, فردّ الملك الوفد ردّا غير كريم , فأخذ محمد يعد العدّة لفتحها وجهز جيشا فيه عشرة آلاف من الفرسان(35), وبينما كان يتهيأ لهذا الفتح العظيم إذ جاءه خبر وفاة الخليفة الوليد بن عبد الملك وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك الخلافة ..!!! نهاية محمد بن القاسم : كانت وفاة الوليد بن عبد الملك 96هـ وتولى سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين هى نهاية محمد بن القاسم الثقفى رحمه الله , وذلك بسبب البغض الذى كان يكنّه سليمان بن عبد الملك للحجاج بن يوسف الثقفى وأهل بيته وكل عمّاله على الأقاليم والثغور ...لأن الوليد بن عبد الملك فى آخر أيامه أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك من ولاية العهد ويعطيها لابنه عبد العزيز بن الوليد .. فبايع الحجاج بن يوسف الوليد فى خلع سليمان !! .. بقايا مسجد محمد بن القاسم بمدينة (الرور) !!فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة بدأ يغيّر ولاة الحجاج , وأعطى العراق لرجلا كان من ألدّ أعداء الحجاج وهو صالح بن عبد الرحمن , وكان الحجاج قد قتل أخوه سابقا , فقرر صالح بن عبد الرحمن أن ينتقم من أقرب الناس الى الحجاج وهو محمد بن القاسم, فعزله عن السند وولى رجلا من صُنّاعه وهو يزيد بن أبى كبشة, وأمره بالقبض على محمد(36).... وبدأت المآساة !! أخذ يزيد بن كبشة السكسكى أمير السند الجديد محمد بن القاسم وقيّده وحمله الى العراق , فقال محمد بن القاسم متمثلاً(37) : أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغرِوهنا بكى أهل السند على محمد بن القاسم , فقد كان قائدا يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ولحسن معاملته لهم وتأمينهم على أموالهم وأنفسهم وإطلاق حرية العبادة لهم(38), ورحب الهنود بحكم المسلمين لهم لأنهم قاسوا كثيرا من ظلم وجور الهندوس , وتجلى ذلك فى إقبالهم على محمد بن القاسم يدقون الأجراس ويقرعون الطبول ويرقصون رقصاتهم الشعبية(39). !!فلما وصل محمد بن القاسم الى العراق , حبسه صالح بن عبد الرحمن بـ(واسط) , فقال محمد رحمه الله (40) : فلئن ثَويتُ بواسطْ وبأرضها *** رهن الحديد مكبلاً مغلولافلرُبّ قَينةَ فارسٍ قد رَعَتْها *** ولربَّ قَرنٍ قد تركتُ قتيلاوقال أيضا :ولو كنت أجمعَتُ الفِرارَ لوطئتُ *** إناثٌ اُعدّت للوَغَى وذكورُوما دخلتْ خيلُ السكاسِكِ أرضنا *** ولا كان من (عَك)(41) علىّ أميرُولا كنت للعبد (المزونى)(42) تابعاً *** فيالك دهرٌ بالكرامِ عثورُوكان محمد بن القاسم يهتف فى أعماق سجنه وفى ظلماته :أتنسى بنور مروان سمعى وطاعتى *** وإنى على ما فاتنى لصبورفتحت لهم ما بين (سابور) بالقنا *** الى (الهند) منهم زاحف ومغيرفتحت لهم ما بين (جُرجان) بالقنا *** الى الصين القى مرة وأُغيرفعذبه صالح بن عبد الرحمن حتى قتله , ويُقال بأن صالح بن عبد الرحمن عذّب محمدا فمات من العذاب(43).. عام 96هـ رحمه الله !!مات القائد الفاتح الشاب الذى لم يتجاوز عمره سبعة عشر عاما حين قاد جيوش المسلمين لفتح بلاد الهند , الذى قال فيه يزيد بن الأعجم :ساس الجيوش لسبع عشر حجة *** ولداته عن ذاك فى أشغالِفغدت بهم أهواؤهم وسمت به *** همم الملوك وسورة الأبطالِوما أجمل أن نختم بكلمات اللواء الركن محمود شيت خطاب – رحمه الله - (44): " مات محمد بن القاسم بالتعذيب, أو قُتل بعد تعذيبه, دون أن يشفع لهذا القائد الشاب, بلاؤه الرائع فى توسيع رقعة الدولة الإسلامية, ولا مهارته الفذة فى القيادة والإدارة, ولا انتصاراته الباهرة فى السند, ولكنّ آثاره الخالدة لا تموت ابداً, وأعماله المجيدة باقية بقاء الدهر, ولم يختره الله الى جواره, إلا بعد ان أبقى اسمه على كل لسان, وفى كل قلب, رمزاً للجهاد الصادق والتضحية الفذة والصبر الجميل .أما الذين عذبوه, فقد ماتوا وأهم أحياء, ولا نزال حتى اليوم نذكر محمد بن القاسم بالفخر والإعتزاز, ونذكر الذين عذبوه بالخزى والاشمئزاز. لقد عذب اولئك النفر أنفسهم حين عذبوه, وقتلوا أنفسهم حين قتلوه, وقد غيّبوا بظلمهم الأسود جسده, ولكنهم طهروا روحه ورفعوها الى السماء, على حين أظهروا أجسادهم لمدة قصيرة وغيبوا أرواحهم فى الظلمات .لقد أخذوا بيده الى الجنة , وأخذوا بأيديهم الى النار !!! " أ.هـ | |
|